
رام الله- المكتبة الوطنيّة: عقدت المكتبة الوطنيّة الفلسطينيّة ومؤسّسة محمود درويش، مساء أمس الثلاثاء، ندوة لمناقشة رواية الأسير ناصر أبو سرور "حكاية جدار" المرشّحة لجائزة البوكر للرواية العربيّة. وعقدت النّدوة في متحف محمود درويش في رام الله، وأدارها رئيس المكتبة الوطنيّة عيسى قراقع، وبمشاركة الدّكتور عبد الرحيم الشيخ أستاذ الفلسفة والدراسات الثقافية والعربية في جامعة بيرزيت، والدّكتورة أميرة سلمي أستاذ مساعد في معهد دراسات المرأة بجامعة بيرزيت. وأكّد قراقع أنّ هذه الرّواية تجمع بين السيرة الذاتية والتوثيق التاريخي والمشاعر الإنسانية القوية، وبإيقاع جمالي أدبي، وأنها قصة حبّ فيها من الفلسفة والتأمل والوجدانيات والفكر والتساؤلات ما يجعلك لا تصدق أن الذي كتبها أسير فلسطيني محتجز منذ 30 عاماً خلف القضبان. وأضاف أن في الرواية قوة حب عظمى جعلت الأسير ناصر أبو سرور يخرج من الجدار بروحه وإرادته وخيالاته ومشاعره ليصبح حراً أكثر من الأحرار، كما وأنه في اشتباك مستمر بين إرادة الحرية والسجان. مشيراً إلى أن الجدار ليس بالسجن فقط؛ وإنما في كل مكان مادياً وثقافياً في الوعي والعقل، وأنه في سياسة الاستسلام والعجز التي تجعل هذا الوطن يتسرّب من بين أيدينا شيئاً فشيئاً لنصبح كلنا سجناء، وأن هذه الرواية تأخذ القارئ من الخاصّ إلى العام، فالأسير الفلسطيني يصارع الجدار والاحتلال والظلم والقهر، مضيفاً أن الجدار يضطرب ويرفض الأسير أن يمتصه الجدار أو يصبح قطعة منه، كما ويرفض أن يكون طيعاً أو متكلساً أو متبلداً بلا تاريخ وهوية وذكريات، وبلا صوت ولا مكان وزمان وأحلام، ويرفض أن يصبح كتلة أو مجرد شيء. فيما قالت سلمي إن الأسير ناصر أبو سرور لم يطرح الرواية على أنها روايته، بل طرحها كرواية للجدار الذي هو أسره ومكانه وزمانه بعد الاعتقال ووجوده وحياته، وأنه مجرد شاهد من بين مجموعة من الشهود على حكاية الأسر التي لا يمكنها أن تكون حكاية واحدة بل عدّة حكايات وعدة روايات ولكنها تبقى جميعاً حكايات الجدار، ذلك الحدّ الذي تنفصل فيه حياة الأسير عما قبلها وما بعدها، ولكن في الوقت نفسه حكاية الأسير عندما يعيد الجدار روايتها. وأضافت أن أبو سرور روى قصة ذات رفضت أن تعيش مغتربة عن ذاتها التي تمردت وعملت على استغلال كل ما هو متاح أو يمكن أن يصبح متاحاً من الحريات، والتي تتمثل بإمكانية التمرد على الحدود ورفضها والقفز عنها، وأنه قاوم الخذلان واليأس والتشاؤم، وتمسك بالأمل والإمكانيات اللانهائية لتجاوز حدود المعرفة والحقيقة. ومن جانبه، قال الشيخ إن الرواية تمثل سيرة ذاتية في غلاف رواية، وأن الجدار يبدو اسماً حركياً لناصر أبو سرور، بعد أن لم يعد للأسماء الحركية جدوى، كما وأنه تناول خلال الرواية ثأران: الأول ثأر المخيم وهو خطيئة الاحتلال الأولى، والثأر الثاني يبدأ من السجن، ويكتمل الثأران بالخوف الدائري الذي يواسي به ناصر أبو سرور نفسه حين يعود إلى نفسه، إضافة إلى تناوله تصالحاً ما بين هذين التناقضين من خلال حديثه عن الولادة مرتين، الأولى في المخيم والثانية في السجن. وأضاف الشيخ أنه في بداية السيرة ونهايتها يتقمص أبو سرور دور الفيلسوف وينهل من معرفة بوذية وصوفية أعطاها إهاباً غربياً عندما تحدث عن فلسفة التخلي والتجلي، فيجب على المحب أن يتخلى لكي يتجلى له المحبوب، أي النظر إلى الدنيا بعين الخسة ووداع الدنيا كما قال ناصر أبو سرور بعد أن وضع الحديد في جبينه في كانون الأول عام 1993. والأسير ناصر أبو سرور، سكان مخيم عايدة قضاء بيت لحم، ينحدر من قرية بيت نتيف المهجرة، من مواليد 16 تشرين الثاني 1969، واعتقلته قوّات الاحتلال الإسرائيلي في الرابع من كانون الثاني 1993، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، ورفضت سلطات الاحتلال الإفراج عنه ضمن صفقات التبادل والاتفاقيات التي أبرمت بعد اعتقاله. وحصل خلال فترة اعتقاله على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية وشهادة الماجستير في ذات التخصص، وشارك في كافة معارك وإضرابات الحركة الأسيرة، وصدر له ديوان شعر بعنوان: عن السجن وأشياء أخرى. ويذكر أن رواية "حكاية جدار" صدرت للأسير الفلسطيني ناصر أبو سرور عن دار الآداب للنشر والتوزيع في بيروت، والتي رشّحتها دار الآداب لجائزة البوكر للرواية العربية لعام 2023، وجاءت الرواية في 343 صفحة من القطع المتوسط، أهداها المؤلف إلى والدته الحاجة مزيونة.