Skip to main content

معهد “عكيفوت” الإسرائيلي عن مذبحة كفر قاسم.. المخفي أعظم

 الناصرة- “القدس العربي”

الناصرة- “القدس العربي”: قال معهد مختص بالمستندات والقضايا التاريخية إنه يواصل العمل على نشر مئات المستندات الأرشيفية الخاصة بمذبحة كفر قاسم، بعدما استجابت أخيراً محكمة عسكرية لالتماس، قدمّه قبل خمس سنوات، من أجل الكشف عن مداولات ووثائق المحكمة الإسرائيلية الصورية، لمقاضاة المتورطين بالمذبحة. في بيانه قال معهد “عكيفوت” الإسرائيلي إن الكشف عن وثائق جديدة خاصة بمذبحة كفر قاسم بعد 66 عاماً على اقترافها يثير ردود فعل وأصداء واسعة، خاصة لدى أهالي كفرقاسم. 

منوها لما كتبه وزير الشؤون الإقليمية في حكومة الاحتلال عيساوي فريج من كفر قاسم، والذي فقد بعض أقاربه في المذبحة: “إن نشر البروتوكلات كاملة يقرّبنا للحقيقة، وهذه بداية مهمة كي تندمل الجراح”. و”عكيفوت” معهد إسرائيلي تأسس عام 2014، ويتخذ من حيفا مقراً له، وهو يعنى بالكشف عن حقائق تواصل المؤسسة الإسرائيلية التستر عليها، خاصة المذابح والانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين منذ نكبة 1948، وهو يفعل ذلك معتقداً أن الكشف عن الحقيقة خطوة حيوية وأساسية للاعتراف وتحمّل المسؤولية، وتقريب فعلي لفكرة المصالحة، والمساهمة في تقريب تسوية الصراع الكبير. ويثني “عكيفوت”، في بيانه، على صحيفة “هآرتس”، التي كرسّت افتتاحيتها أول أمس لقضية مستندات مذبحة كفر قاسم، دعت فيها لكشف المزيد من الأرشيفات التي تخفيها إسرائيل، معتبرة هي الأخرى أن الكشف عن الحقيقة “يطهّر ويشفي الجراح”. خمس سنوات من المداولات القضائية وكان معهد “عكيفوت” قد قدّم قبل خمس سنوات، من خلال أحد مؤسّسيه المؤرخ آدم راز مؤلف كتاب جديد عن مذبحة كفر قاسم، التماساً لمحكمة عسكرية إسرائيلية طالباً الكشف عن وثائق المحكمة التي قاضت القيادات العسكرية الميدانية (لا القيادات العسكرية العليا، ولا المستوى السياسي) المتوّرطة بجرائم القتل في كفر قاسم. 

غير أن المحكمة العسكرية الإسرائيلية رفضت الالتماس بدعوى أنه يمس بأمن إسرائيل وعلاقاتها الخارجية مما دفع آدم راز للاستئناف، وبعد خمس سنوات من التداول سمحت محكمة الاستئناف العسكرية العليا، يوم الجمعة الماضي، بالكشف عن الأرشيفات المطلوبة التي تعد بالآلاف. وأوضح “عكيفوت”، في بيانه، أنه تلقى، اليوم الأربعاء، الملفات الكاملة للأرشيفات من المحكمة المذكورة التي سمح بالكشف عنها، منوهاً لوجود كمية أرشيفات أخرى ما زالت طي الكتمان وتخص كفر قاسم. ونوّه “عكيفوت” أن الباحثين فيه ينكبون الآن على معاينة الأرشيفات المسموح بنشرها، تمهيداً لتحليلها وعرضها للجمهور الواسع من خلال موقعها على الشبكة الألكترونية. لافتاً إلى أن “النضال لم ينته بعد، ونحن اليوم ننشط سوية مع ذوي عائلات ضحايا مذبحة كفر قاسم من أجل السماح بنشر ما تبقى من أرشيفات محظورة ومغلقة في أرشيف المحكمة العسكرية، مثلما نتحرّك مقابل أرشيف الجيش لفتح التوثيق الواسع الخاص بـ “خطة خلند”، وهو الآخر ما زال أرشيفاً مغلقاً رغم مرور ستة عقود ونصف العقد منذ اقترافها”. الوزير في حكومة الاحتلال عيساوي فريج، الذي فقد بعض أقاربه في المذبحة: “إن نشر البروتوكولات كاملة يقرّبنا للحقيقة، وهذه بداية مهمة كي تندمل الجراح”. العدد الحقيقي للشهداء ويستذكر “عكيفوت” مجددا ملابسات أساسية خاصة بمذبحة كفر قاسم، ويقول إنها وقعت في مساء 29.10.1956 تزامناً مع حرب العدوان الثلاثي على مصر ويضيف: “في اليوم الأول أعلنت السلطات العسكرية الإسرائيلية عن أمر منع تجوّل بدءاً من الساعة العاشرة ليلاً، وما لبثت أن قامت بتبكير الموعد فجأة للساعة الخامسة مساء من نفس اليوم، بينما كان أهالي كفر قاسم في أعمالهم خارج البلدة، ومعظمهم كان يعمل في قطاف الزيتون، ولم يسمعوا قط عن حظر التجوّل. حتى الساعة السادسة كانت قوات حرس الحدود قد قتلت 47 شخصاً من أهالي كفر قاسم، وهم عائدون لبيوتهم نساء وأطفالاً وشيوخاً ورجالاً، وأضيف عليهم شخصان، واحد من الطيبة، وآخر من الطيرة، المجاورتين”.

 لكن أهالي كفر قاسم يعدون 49 شهيداً من بلدتهم، من بينهم جنين كانت تحمل به الشهيدة فاطمة صرصور في شهرها الثامن، وكذلك الشيخ عبد الله عيسى، الذي توفي بعد ساعات بعدما توقف قلبه عن النبض حزناً على قتل حفيده الصغير طلال، وعلى أقاربه الجرحى الكثيرين ممن أصابهم رصاص القوات الإسرائيلية، وهكذا يبلغ تعداد شهداء المذبحة 51″. يا خوف الغزاة من الذكريات وخلص “عكيفوت” للقول إن المذبحة وما تلاها من عمليات إخفاء وتستّر ومحاولات تزوير الحقيقة، علاوة على الكشف عن المستندات الأخيرة وردود الفعل الجماهيرية عليها، كل ذلك يجعل مذبحة كفر قاسم واحدة من الأحداث المكوّنة في تاريخ إسرائيل بشكل عام، وفي مسيرة المواطنين العرب الفلسطينيين فيها على وجه الخصوص”. حتى الآن، ومنذ يوم الجمعة الأخير، لم يعقّب أي مسؤول إسرائيلي على ما كشفت عنه الوثائق، خاصة حقيقة وجود خطة حكومية إسرائيلية (خطة خلند) لتهجير فلسطينيي منطقة المثلث من خلال مذبحة كفر قاسم. ومن ضمن المستندات الجديدة التي سمح بالكشف عنها خريطة إسرائيلية رسمت بخط اليد تظهر ملامح بلدة كفر قاسم، بكرومها وشوارعها وبيوتها النائية، إضافة لمواقع الدوريات العسكرية المحيطة بها عشية اقتراف المذبحة المروعة بحق مدنيين عزل لا ذنب لهم سوى أن وجودهم وبقاءهم في وطنهم استفز المحتلين الجدد. خطة موشيه ديان في سياق متصل، قال أبرز المعلقين السياسيين الإسرائيليين ناحوم برنيع إن المحاكمة المذكورة، برأيه، إحدى المحاكمات المهمة في تاريخ الدولة: في 29 تشرين الأول 1956، في المساء الأول لحملة سيناء، أطلق أفراد من شرطة حرس الحدود النار، فقتلوا سكاناً عادوا إلى القرية من عملهم. أطلقت النار عليهم بحجة أنهم خرقوا حظر تجول لم يعرفوا بوجوده. نحو 50 من السكان قتلوا في ذاك المساء”.

 وحسب برنيع، في مقاله المنشور في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، فقد أوضح قرار المحكمة هذا بأن هناك أوامر يرفرف فوقها علم أسود، أوامر غير قانونية على نحو ظاهر، فالضابط والجندي اللذان أطاعاها كان يجب أن يرسلا إلى السجن، ومع ذلك فإن المتهمين الذين أدينوا لم يعاقبوا حقاً، بل إن بعضهم نال الترفيع. وطبقاً لبرنيع، لم تكشف المحاضر حقائق جديدة: كل شيء نشر في الماضي، ومع ذلك فإنها فتحت من جديد جدالاً حول خطة بادر إليها في سنوات الخمسينيات الأولى موشيه دايان. الخطة التي حملت الاسم السري “الخلد”، دعت لأن تستغل الحرب بين إسرائيل والأردن لأجل إخافة العرب في القرى على طول الحدود ودفعهم للمغادرة إلى الأردن. ويتابع: ” لم تقر الخطة أبداً؛ فلم تقع فيها مذبحة، ولم تنشب حرب مع الأردن. وعلى الرغم من ذلك، فإن بعضاً من المتهمين في المحاكمة عرفوا بها. ادعوا بأنهم عملوا وفقاً لروح القائد”. وأووضح برنيع أن كفر قاسم ليست قرية أخرى، فهي مدينة كبرى، مزدهرة، بني في وسطها نصب ضخم للمذبحة. رئيسان إسرائيليان، ريفلين وهرتسوغ، اعتذرا عن الفعلة باسم الدولة، وإذا لم أكن مخطئاً فإن الأمن الشخصي وغلاء المعيشة يشغلان بال السكان هناك، بقدر لا يقل عن الجريمة الرهيبة التي ارتكبت بحق آبائهم قبل 66 سنة. ويحاول برنيع النيل من المؤرخ ادام راز بالقول إنه الذي أدى إلى النشر المتجدد للمذبحة في كفر قاسم، هو أيضا الرجل الذي من خلف الادعاء بأنه كانت هناك مذبحة جماعية –200 أو 250 نفساً– في الطنطورة، في العام 1948. قتل المدنيين كان في “حرب 1948″، قتل عرب يهوداً، وقتل يهود عرباً.

 ويمضي برنيع، في محاولة تخفيف سواد الماضي الإسرائيلي، بقول يتبناه معظم الإسرائيليين: “مذبحة جماعية في الطنطورة مشكوك جداً أن تكون قد حدثت. المؤرخ بيني موريس، المؤرخ المعتمد لتلك الفترة، مقتنع بأنها لم تكن، ومثله خبراء آخرون. لكن راز ورفاقه على حالهم، مهووسون. مثل أيوب، الصديق التناخي. إذا لم يكن لهم ماض يحكونه فإنهم سيحكون ظل الماضي”. عكيفوت: مذبحة كفر قاسم واحدة من الأحداث المكوّنة في تاريخ إسرائيل بشكل عام، وفي مسيرة المواطنين العرب الفلسطينيين فيها على وجه الخصوص. في محاولة إضافية للتغاضي عن الماضي يخلص برنيع، كالكثير من الإسرائيليين، للقول: “العرب هم نحو 22 % من سكان إسرائيل. من لا يراهم شركاء جديرين للاقتصاد، للصحة، للرياضة، للقضاء وللسياسة يعاني إما من العمى او العنصرية. الأشخاص الذين بعثوا إلى الكنيست هم الممثلون الأصيلون لهم. في هذه اللحظة لا يوجد آخرون. عندما طلب أيمن عودة، وبعده منصور عباس أن يكونوا جزءاً من الحكم قام بن غبير وسموتريتش، وعلى سبيل الفرق هيندل وهاوزر، وفرضوا الفيتو. بدلاً من تلطيف حدة الرواية تخندقوا فيها. وهم لا يزالوا يتخندقون”. ويخلص برنيع مخاطباً العرب، في محاولة لإقناعهم هم أيضاً للقفز عن الماضي، ولكنه لم يكن: “الدرس ساري المفعول أيضاً بالنسبة للعرب. طالما تتصادم إسرائيل عسكريا مع غزة ومع الضفة طالما استمر النزاع والاحتلال، لا عقل في الغرق في الماضي، وإصلاحه على طريقة جنوب أفريقيا (هناك أيضا لم ينجح تماماً). في هذه الأثناء يوجد هنا مجتمع عربي غارق في الجريمة، وبضع مشاكل أخرى تحتاج الى العلاج”.