Skip to main content

شلومو ساند و"اختراع الشعب اليهودي"

د. فايز رشيد        20 يونيو 2012

د. فايز رشيد 20 يونيو 2012 "اختراع الشعب اليهودي" هو أحد أبرز مؤلفين للبروفيسور شلومو ساند أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب. الكتاب أثار ولا يزال ضجة عنيفة في إسرائيل، فهو المعروف بمواقفه المعادية للصهيونية. اتهم "بالعداء للسامية ولإسرائيل" و"بالنازية " وتلقى تهديدات مباشرة بالقتل. وأرسلت إليه طرود بمواد كيماوية حارقة، حتى أنه بات يخشى على نفسه من القتل. وفقاً لتصريح له لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية. ساند يواجه حملة مسعورة على مؤلَفيْه. كتابه الثاني بعنوان "اختراع أرض إسرائيل" وقد صدر مؤخراً بالعبرية في الكيان الصهيوني ولم تتم ترجمته بعد إلى اللغة العربية. "اختراع الشعب اليهودي" صدر في إسرائيل عام 2008 وترجم إلى العربية، وصدر عن مدار المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية في رام الله بالتعاون مع الأهلية للنشر والتوزيع في عمّان. قدّم للكتاب أنطوان شلحت وهو يتألف من خمسة فصول. الكتاب هو غوص في التاريخ لإثبات قضية أساسية وهي "أن لا وجود للشعب اليهودي" إذ يتساءل المؤلف "فيما لو أن اليهود في العالم كانوا حقاً (شعب) فما هو الشيء المشترك في مكونات الثقافة الإثنوغرافية ليهودي في كييف ويهودي في المغرب، غير الاعتقاد الديني وبعض الممارسات الدينية "ص43. في فصول كتابه يتحدث المؤلف وفي استعراض تاريخي عن مفاهيم مثل "الأمة" و"الشعب" و"القومية" و"الإثنية" والتي اتخذت معاني ودلالات لا تحصى، وأحياناً متناقضة وأحياناً مكملة أو مرادفة. ويقول ساند: "إنه على مر ألفي عام لم يكن اليهود شعباً. إذ لم تربطهم سوى الثقافة الدينية، وحتى اللغة بينهم كانت مختلفة، وهي لغات الأوطان التي كانوا يعيشون بين ظهرانيها". يتحدث ساند بالتفصيل في مؤلفه عن المؤرخين اليهود الذين وبجرة قلم اخترعوا وجود هذا الشعب عنوة في ظل تبلور الحركات القومية في أوروبا. أما عن تهجير اليهود بالتزامن مع دمار الهيكل الثاني في سنة 70م فيقول ساند: "إنها أسطورة مسيحية تسربت رويداً رويداً إلى الإرث اليهودي وجرى استنساخها بقوة داخل الفكرة الصهيونية"، فالرومانيون لم يقوموا قط بنفي "شعوب". كذلك، فإن الآشوريين والبابليين لم يلجأوا في تاريخهم إلى إبعاد السكان الخاضعين لاحتلالهم قاطبة ص 179. يؤكد ساند أن مصطلح "منفى" وصف في القرن الثاني والثالث الميلاديين وقد عنى عملية استبعاد سياسية للبعض وليس عملية اقتلاع من البلاد. في فصول كتابه يتطرق المؤلف إلى "بداية نحت الزمن اليهودي" مستعرضاً كافة الكتب التي تبحث في التاريخ اليهودي سابقاً ولاحقاً، مبيناً أن "تاريخ الأيزرائيليم" من تأليف يوست هو أول كتاب بذل فيه جهد وبانفعال متناغم لاختراع "الشعب اليهودي" .بينما أضحى مصطلح "شعب" يتضمن جزئياً المعنى المعطى لــ"الأمة العصرية". يؤكد أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب على وجود الدين اليهودي، ولكن ليس هناك ما يسمى "بالشعب". كذلك فإن التاريخ اليهودي الذي يقول "إن الشعب اليهودي قائم منذ نزول التوراة في سيناء، وأن الإسرائيليين هم ذراري ذلك الشعب الذي خرج من مصر واحتل أرض إسرائيل لكونها "الأرض الموعودة" وأقام مملكتي داود وسليمان وانقسم وأنشأ مملكة يهودا ومملكة إسرائيل ثم تشرد في الديسابورا بعد دمار الهيكل الثاني، لكنه لم يذب في الأغيار" هي رواية غير موثوق فيها بل انتفت تماماً.(من مقدمة شلحت ص11-18). يتضمن كتاب ساند أيضاً اعتماد زعماء الحركة الصهيونية على المؤرخين المزورين في اليهودية، الذين زيفوا الحقائق وفقاً للأهداف السياسية ومنهم يحزقئيل كويفمان المحبب لبن غوريون. كما يوضح أن احتلال عام 1967 فتح مجالاً كبيراً للحفريات في القدس والضفة الغربية، رغم أنه لم يكن علماء الآثار الإسرائيليون مخولين حسب القانون الدولي بالحفر والتنقيب عن الآثار في المناطق المحتلة. رغم كل ما حاوله علماء الآثار الإسرائيليون لم يجدوا فعلياً أي آثار تثبت وتعزز الادعاءات الصهيونية. يوضح ساند كيف حرصت الصهيونية وإسرائيل على اختراع وعي جديد لليهود بكل ما يتطلبه من رموز قومية مثل: العلم، النشيد القومي، لباس وأبطال ولغة والطوابع البريدية باعتبارها أدوات مهمة "لاختراع الشعب" الذي أدى إلى تحول في مفهوم جديد هو "الشعب الإسرائيلي" وتحول الأخير إلى "شعب يهودي" في سلسلة من التحولات التي حرصت الصهيونية على استكمالها. لذا فإن "دولة إسرائيل" في طريقها إلى التحول إلى"دولة اليهود" أو "دولة الشعب اليهودي". في الفصل الرابع من كتابه يتطرق المؤلف إلى اليهود في شبه الجزيرة العربية ويتبين أن كثيرين اعتنقوا الديانة اليهودية في شمال إفريقيا وإسبانيا ومناطق مختلفة كثيرة في العالم بما فيها مملكة الخزر، وهذا يدحض الادعاء بأن الدين اليهودي لم يكن ديناً تبشيرياً. بل ظل محصوراً في العرق الذي اعتنقه منذ بداياته، بالتالي لا وجود لتجانس بيولوجي بين اليهود. في الفصل الخامس والأخير من كتابه المعنون بـالتضخيم والإقصاء، سياسة الهويات في إسرائيل، يتطرق الكاتب إلى السياسة العنصرية في إسرائيل من خلال تأكيد وثيقة الاستقلال الإسرائيلية والذي تنص "على المساواة التامة في الحقوق اجتماعياً وسياسياً بين جميع رعايا إسرائيل دون التمييز من ناحية الدين والعرق والجنس والإيمان بحرية العبادة والضمير واللغة والتربية والتعليم والثقافة". (وثيقة الاستقلال في إعلان إقامة دولة إسرائيل عام 1948). ثم يبين التناقض بين ما جاء في الوثيقة وبين النص التالي: "تحظر المشاركة في الانتخابات للكنيست على أي قائمة إذا كان في أهدافها أو أعمالها أي بند من البنود التالية: أولاً: نفي كيان دولة إسرائيل بصفتها دولة الشعب اليهودي. ثانياً: نفي طابع الدولة الديمقراطي. ثالثاً: التحريض على العنصرية". البند 7أ من قانون أساس الكنيست "1985(ص 325). يبين شلومو ساند أن الهدف من كتابة مؤلفه هذا: جعل الإسرائيليين يؤمنون "بأن إسرائيل دولة لجميع مواطنيها" فهو ينادي بقيام دولة ديمقراطية ثنائية القومية تمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن. هو يعتقد "أن من السخف والبلاهة مطالبة اليهود الإسرائيليين بتصفية دولتهم"، لكن "عليهم أن يكفوا عن الاحتفاظ بها لأنفسهم كدولة منغلقة تمارس الإقصاء والتمييز بحق جزء كبير من مواطنيها وترى فيهم غرباء غير مرغوب فيهم". وفي الوقت نفسه وإدراكاً منه لصعوبة ذلك يتساءل: "من سيجرؤ على إلغاء قوانين العودة واختزالها بحق اللجوء للاجئين المشردين إلى إسرائيل، ومتى يتخلص اليهودي من الصورة العميقة التي تنسبه إلى (شعب مختار) والكف سواء باسم تاريخ زائف أو بواسطة بيولوجيا خطيرة عن تفخيم الذات وإقصاء الآخر؟". ويتساءل أيضاً: "متى ستكف مؤسسة الصندوق القومي الإسرائيلي (كيرن كيميت) عن كونها مؤسسة مركزية إثنية مجحفة وتعيد المليون و300 ألف دونم من أراضي الغائبين والتي نقلت إليها من قبل الدولة بسعر رمزي"؟ ما نود التعليق به على الكتاب: أن من المستحيل على الحركة الصهيونية أن تتخلى عن المضامين التي جاءت بها كما أن من المستحيل على إسرائيل أن تتخلى عن الصهيونية والعنصرية والعدوان والقتل. شلومو ساند واحد من كتّاب يهود معادين للصهيونية مثل نورمان فلنكشتاين مؤلف كتاب "صناعة الهولوكوست" وإسرائيل شاحاك مؤلف "الديانة اليهودية، التاريخ اليهودي، وطأة ثلاثة آلاف سنة". ارثر كوستلر مؤلف كتاب" إمبراطورية الخزر وميراثها. القبيلة الثالثة عشرة ". ما جاء به ساند كان قد طرح قسماً كبيراً منه الراحل حديثاً روجيه غارودي في مؤلفه القيّم " الأساطير المضللة للسياسة الإسرائيلية "، علينا تشجيع هؤلاء الكتاب والشد على أيديهم.