تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

المكتبة الوطنيّة الفلسطينيّة تنظّم ندوة إشهار لكتاب التّراث الّلغوي الكنعاني من فلسطين

2

رام الله- المكتبة الوطنية: نظّمت المكتبة الوطنيّة الفلسطينيّة، أمس الأربعاء، ندوة لإشهار أولى إصداراتها في عالم النّشر؛ كتاب: "التّراث الّلغوي الكنعاني من فلسطين"، في متحف ياسر عرفات في رام الله.

وشارك في النّدوة كل من رئيس المكتبة الوطنيّة عيسى قراقع، ومؤلّف الكتاب ورئيس دائرة التّاريخ والآثار في جامعة بير زيت د. عصام الحلايقة، ومحرّر الكتاب والباحث المستقل في علم الآثار د. حمدان طه، فيما أدار النّدوة مدير عام الأرشيف في المكتبة الوطنيّة فواز سلامة. 

وقال قراقع أن المكتبة الوطنيّة ترى في هذا الكتاب حاجة ماسّة للمكتبة الفلسطينية والمدارس والجامعات وللباحثين ولكافة الأجيال الفلسطينيّة، لهذا قامت بتوزيعه على كافّة الجامعات والمكتبات العامّة والخاصّة وعلى مراكز الأبحاث والمهتمين. 

مضيفاً أن الدّافع الوطني هو الحافز الأهم لإصدار هذا الكتاب، "فهو وإن بدا كتاباً تاريخيّاً ثقافيّاً توثيقيّاً، إلّا أنّه محاولة جدّية ومهنيّة وعلميّة وأكاديميّة لتحرير الرّواية الفلسطينيّة من قبضة وقيود الدّراسات الصّهيونية والاستشراقية التي طغت على السّردية الفلسطينية". 

وأشار قراقع إلى أنّ هذا الكتاب جمع عشرات النّقوش والكتابات الكنعانية في فلسطين ومحيطها منذ القرن التّاسع عشر قبل الميلاد، وتضمّن قراءة وتحليلاً سياسياً وجغرافياً وعمرانياً واقتصادياً واجتماعياً وإنسانياً وحضارياً حول هذا التّراث وهذه الكنوز الكنعانيّة في الأزمنة التّاريخية القديمة وتطورها، وهو بذلك يستعيد ويسترجع فلسطين القديمة من الماضي إلى الحاضر، ويقف في مواجهة الأيدولوجية الصّهيونية وأساطيرها وخرافاتها وادّعاءاتها بأن أرض فلسطين هي أرض الميعاد وأرض التّوراة وأرض الآباء والأجداد. 

مبيّناً أّن الكتاب وقف في وجه محاولات علماء الآثار الإسرائيليّين والغربيّين الذين سعوا لتجريد الفلسطينيّين من ماضيهم وهويّتهم التّاريخية ووجودهم على هذه الأرض لتبرير استعمارهم واستيطانهم لفلسطين واحتلالها وطرد سكّانها. 

بدوره قال د. طه أن هذا الكتاب يشمل النّقوش المكتشفة في حدود أرض كنعان والمناطق المجاورة والمتداخلة بالإضافة إلى البلدان المحيطة في مصر وسوريا والعراق والتي تتّصل بأحداث فلسطين، جمع فيها المؤلّف عشرات النّقوش والكتابات بالّلغات الكنعانية والأكّادية والهيروغليفية والفينيقية والعبرية والآرامية، وتغطّي فترة طويلة منذ بداية الأبجدية في القرن التاسع عشر وحتى القرن السادس قبل الميلاد حين سادت اللغة الآرامية كلغة دولية بديلاً عن اللغة الكنعانية، مضيفاً أنّ النقوش والكتابات تتنوّع ما بين تلك التي نقشت على صروح ضخمة وصخور، وتماثيل وحجارة صغيرة وأواني فخارية وكسر فخار وأدوات عظمية ومعدنية إلى جانب الأختام والجعلان وطبعاتها على الطين والتي مثلت أختاماً رسمية وحملت أسماء حكام وأمراء وتجار وأشخاص عاديين.

وأشار إلى أن هذه النقوش والكتابات تعتبر مصادر أوليّة لكتابة التّاريخ القديم وإعادة بناء الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية القديمة في فلسطين، وتقدم معلومات هامة عن الجماعات والأقوام والفئات الاجتماعية، وأسماء الأشخاص والمهن والأدوات الزراعية والأدوات الحربية وأسماء البضائع والمنتجات ومواد التجارة والأدبيات والطقوس والمعتقدات الدينية والآلهة القديمة، كما تشكّل هذه النقوش والكتابات القديمة مادة مهمة في دراسة تطوّر اللغات في فلسطين بدءاً من الكتابة التّصويرية والمسمارية والأبجدية، والتي كانت فلسطين والأراضي المجاورة في سيناء مسرحاً مهماً لهذا الحدث العظيم في تاريخ البشرية، والذي انبثقت عنه اللغات الأبجدية الحديثة الكنعانية والفنيقية والآرامية واليونانية والعربية.

لافتاً إلى أنّ الدّراسة أظهرت بشكل جلي أنّ أرض كنعان هي الأرض التي بزغت فيها الأبجدية الكنعانية، وكيف تولدت أولى دلائل الأبجدية في جزيرة سيناء وهي منطقة تماسّ حضاري رئيسي بين الحضارتين الكنعانية والفرعونية، من خلال عمال المناجم الكنعانيين الذين عملوا فيها كما تدلّ على ذلك نقوش سرابيط الخادم وواد أبو الحول، وتعتبر الأبجدية المحطة العظيمة الثانية في تطور الكتابة عبر التاريخ في الألف الثاني قبل الميلاد في فلسطين بعد اختراع الكتابة نفسها في أواخر الألف الرابع ق.م. لأول مرة في جنوب العراق ومصر. 

فيما استعرض د. حلايقة اختزالاً لمحتويات الكتاب، الذي جاء في (440) صفحة من القطع الكبير، ومكوّن من مقدمة وسبعة فصول ومزود بقائمة مصادر ومراجع، لافتاً إلى أن الفصل الأول تضمّن عرضاً لطبيعة الكتابات التي اكتشفت في المواقع الفلسطينية منذ العام 3100 ق. م، وحتى القرن السادس ق. م، وهي المسمارية والهيروغليفية والكنعانية، وأهم هذه الدلائل هو رقيم يشير إلى انتشار تقاليد الكتابة المسمارية التي بدأت من شمال فلسطين وانتشرت جنوباً حتى مدينة تل بلاطة، واكتشف في تل بلاطة وكتبه معلم كنعاني يشتكي من عدم حصوله على مرتبه لمدة ثلاث سنوات.

أما الفصل الثاني فهو يقدّم لمحة عن تطور الكتابة الكنعانية منذ أن بدأت في مصر وسيناء متأثرة بالهيروغليفية، مروراً بثلاث مراحل أبرزها التصويرية، بمعنى كتابة الأشياء المادية ببعدي طول وعرض، في القرن الرابع عشر قبل الميلاد أخضعت هذه الصور لمبدأ الاختزال ومنها تحولت الصورة إلى رمز وبهذه الطريقة حصل الكنعانيون على كتابة رمزية أبجدية وهذه هي أهم مأصرة حضارية قدمها الكنعانيون لمنطقة الشرق وللعالم أجمع، حيث أصبحت الكتابة الكنعانية الأساس لكل الأبجديات الموجودة حالياً في الشرق وفي أوروبا. 

فيما درست الفصول التالية النّقوش الكنعانيّة في فلسطين والأختام الكنعانيّة وطبعاتها والمدينة الكنعانيّة كإطار حضاريّ للنّقوش الكنعانيّة في فلسطين، بالإضافة إلى السّياق الإثنيّ للنّقوش الكنعانيّة في الألفين الثّاني والأوّل ق.م. وتمثيل الكنعانيّين في الفنّ التّشكيليّ المصريّ.