تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

المكتبة الوطنية تشارك في دورة تدريبية بعنوان :"تكشيف النص التراثي"

 ثورة حوامدة

ثورة حوامدة-يندرج عنوان الدورة التدريبة (تَكشِيف النص التراثي) في إطار التحقيق المنهجي كباب هام من أبواب معالجة النص وصولا إلى خدمته، على اعتبار أن التكشيف هو أحد المفاتيح الهامة، وليس المفتاح الوحيد من أجل استرجاع تفاصيل هذا النص. يكون ذلك من خلال مجموعة من الأصول النظرية والنماذج التطبيقية الشارحة والمفسرة في صنعة التكشيف. تُسَهِل على الباحث والمحقق الوصول إلى "الوحدات الدقيقة من المعلومات داخل نص أو كتاب معين، في شكل قائمة على هيئة مجموعة من المداخل المقننة". كلمة "الكشف" في القاموس المحيط رفع شيء عمّا يورايه ويغطيه، كالتكشيف:قال ابن عباد هو مبالغة الكشف. 

والكاشفة: الإظهار الأخير من المصادر التي جاءت على فاعلة كالعافية والكاذبة، قال الله تعالى "ليس لها من دون الله كاشفة" أي كشف وإظهار. التَكشِيف كمهمة ووظيفة، تفسر ضرورة وجود الكَشاف، فالكَشّاف: هو الفهرس الذي يحتوى على المصادر والمراجع والأماكن والأعلام والكثير من التقسيمات الأخرى. أما المُكَشِفْ، مَن يشتغل على إعداد الكشافات في تحقيقه للنص المخطوط، أو الوثائق والمصادر، وفي أحيان الاشتغال على كشافه الشخصي سواء بحثه/كتابه العلمي أو رسالته الجامعية. تتم صنعة التكشيف على مستويين هامين، أولهما الإدراك الكامل لمبادئ صناعة النص التراثي/الكشافات النوعية، وثانيهما تفعيل وتشغيل هذا الكشاف لإنتاج المعرفة الموصلة للعلامات والمضامين. لهذا يعتبر جوهر القيمة العلمية للكشاف إيصال الباحث إلى ما يريد الوصول إليه داخل الوثيقة، وفق ترتيب هجائي أو زمني، أو مصنف. من الاخطاء الشائعة في التعامل مع صنعة التكشيف، أن يسمى الكشاف "فهرس"، وبالمناسبة كلمة "فهرست"هي كلمة فارسية الأصل. لذلك تاريخ الكشافات في الحضارة العربية له السبق والأهمية والإضافة ،حيث يعتبر ابن سيرين أول من استخدم الكشافات (110هـ/729م)، تحديدا كشاف المقاطع الاستهلالية.

 نورد هنا بعض الكتب الهامة في التكشيف. كتاب الفهرست لابن النديم ، وكتاب ابن حجر العسقلاني "إطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي" ، أيضا كتب ابن زهر المقدسي، وابن الأثير. نتبين أن أهمية كل كشاف لا تقل قيمة عن المفتاح بالنسبة للباب، لذلك تنوعت وتعددت، فكانت كشافات القرآن الكريم، والأحاديث، الشعر، المخطوطات، المصادر التاريخية، العلمية، الفقهية، وغيرها. يُمَكّننا تنوع الكشافات أن نُظهر المَهمة التي يفرضها وجود الكشاف؛ إذ من خلاله قد نصل إلى معلومات دقيقة جدا قد لا تذكر في الفهرس المخصص للموضوعات. فكلما كان المحقق مثقفا والمكشف كذلك، وجد في النص زوايا بعيدة وأوسع، ومكونات جديدة يمكن أن يستنبطها، إضافة إلى معرفته الكشافات اللازمة والمنهج الذي يحدده كل كشاف تبعا لاعتبارات كثيرة. تعددت أنواع الكشافات، فنجد منها الكشاف العام (القاموسي)، الخاص (المحدد الكمي). ونجد كذلك الكشاف المفاهيمي وأنواع أخرى يزداد عددها وأنواعها تبعا للثقافة الموسوعية للمكشف.

 داخل كل كشاف ثمة تصميم، يبدا بعنوان الكشاف، ثم المداخل الفرعية، ثم التبصيرات، ثم المؤشر المكاني، ثم الملحوظات، ثم عمليات المعالجة، انتهاء بالتكشيف آخر العمليات. نموذجين هامين من نماذج الكشافات هما كشاف الأشعار والأحاديث. ولكلاهما منهجه الخاص في التكشيف. ولعل كتاب العروض القديم للدكتور محمد علي السمان من الأفضل في التكشيف الشعري. مع ضرورة التأكيد على أن كشاف الأشعار لا يوجد له ضابط في التكشيف والمحكم الأساسي في ذلك هو ضمير المحقق/ المكشف، والذوق. لكن المنهج السائد في التكشيف للدواوين والأشعار هو الاعتماد على القافية، لا على الصور أو العناوين. 

بداية التكشيف تكون من الساكن، وهنالك من يبدأ من الأثقل الكسرة/الضمة. والاتجاه الغالب في هذا الباب الالتزام من أخف الحركات صوتيا إلى أقل الحركات. أما الكشافات الحديثية التي تعتمد على النصوص الطويلة، يعتبر كتاب المعارف لابن قتيبة نموذجا على ذلك، وكتابه عيون الأخبار ، رغم أنه لم يذكر لنا فهرسا أو كشافا للصحابة والتابعين، أي أننا نجد فهرس رجال السند لكننا لا نجد فهرس الأحاديث. تنبع أهمية الكشافات الحديثية من أنها تكشف وتستنبط كنوزا مختبئة دفينة في منجم لم يظهره المحقق للقراء. أيضا لها العلاقة المباشرة والضرورية بعلم التخريج (تخريج الحديث) حيث أنه يبدأ من حيث انتهى المكشف. لهذا صنعة التكشيف الخاصة بالأحاديث، تحتاج لدقة ودراية كافية للتصنيف، طالما أن فن الفهارس لكتب الحديث لم تثبت أهميته إلى اليوم. 

استجد على صنعة التكشيف ما استجد على الحياة الإنسانية من تطورات تقنية وتكنولوجية، وأصبح التكشيف بعد أن كان يدويا، تكشيفا آليا، وتبيان الفرق الواضح بين التكشيف كخدمة وكعملية. نوضح هنا سياقها كعملية: 1/التأليف 2/المكتبات 3/ الناشرين 4/ شركات قواعد البيانات 5/ محركات البحث وأدوات الكشف عن المعلومات ومصادرها في بيئة الويب. يؤكد ذلك على أن النص المحوسب مكشف بالفطرة، ويمكن الوصول إليه بسهولة من خلال أداة، شرط أن يكون مكتوبا بشكل صحيح. على عكس التحقيق والتكشيف اليدوي الذي يعتمد عدة طرق، نظام البطاقات والصناديق، ونظام الدفتر المفهرس والمرقم، وأخيرا نظام الاستخراج. يعتبر الملحق من مكملات التحقيق، ويسبق الكشافات في الترتيب المكاني، هذا ما يجعل عديد الباحثين يضعون الملحق ضمن الكشافات واعتبارهما جزءا واحدا. استنادا إلى أوجه شبه متوفرة فيهما، حيث كلاهما عمل إبداعي من صنع المحقق أو من ينوب عنه، يعملان على إضاءة النص التراثي والكشف عن جوانبه المعرفية، ويكشفان عن مدى ثقافة وقدرة المكشف/المحقق على فهم النص، إضافة إلى الفائدة التي تعود بالنفع على القارئ لوجودهما من اختصار الوقت والجهد.

 بيد أن هذا لا يعني أنهما متطابقان. ما يجعلهما مختلفان كون الملحق يعمل في ضوء النص التراثي، لكن المكشف يعمل في ضوء النص لا يفارقه. كما أن جل النصوص التراثية تحتاج إلى تكشيف، وكثير منها لا يحتاج إلى ملحق، وأخيرا كون عمل الملحق هو عمل ابتكاري يحتاج إلى بذل جهد ووقت، بخلاف عمل المكشف الذي يستند على معايير تحدث عنها العلماء. *شاركت المكتبـة الوطنيـة ممثلــة بالأســتاذة ثــورة حوامــدة بــدورة "تكشــيف النـص التراثـي"، وبتنسـيق ومتابعـة مـن اللجنـة الوطنيـة الفلسـطينية للتربيـة والثقافـة والعلـوم، ونظم الدورة معهـد المخطوطـات العربيـة التابـع للمنظمـة العربيـة للتربيـة والثقافـة والعلــوم "الألكســو" بالفتــرة مــا بيــن 27 - 31 آب / أغســطس 2022. المصادر: 1/ ابن حجر العسقلاني، إطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي، دار ابن كثير، دمشق. 2/ الفيروز أبادي، القاموس المحيط، مؤسسة الرسالة، ط6، 1998، ص849. 3/ ابن قتيبة،المعارف، تحقيق:د. عكاشة،ثروت، دار المعارف، ط4. 4/ ابن قتيبة عيون الأخبار، تحقيق:أبوشعر،محمد سعيد، المكتب الإسلامي. 5/ ابن النديم، الفهرست في أخبار العلماء المصنفين من القدماء والمحدثين وأسماء كتبهم، دار إحياء التراث العربي، بيروت. المراجع: 1/ السمان، محمود علي، العروض القديم أوزان الشعر العربي وقوافيه، دار المعارف،ط2، 1986.