تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

إنشاء قبور وهمية طريقة جديدة للاحتلال للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية ‏

بقلم: المحامي علي أبوهلال * ‏

بقلم: المحامي علي أبوهلال * 

‏ لم يكتف الاحتلال الاسرائيلي بالطرق القديمة التي استخدمها منذ عشرات العقود الماضية لتسهيل وشرعنة ‏الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية والاستيطان فيها، بل لجأ مؤخرا إلى انشاء قبور وهمية لليهود لا توجد ‏فيها موتى لتحقيق هذه الغاية السياسية الكولونيالية الاستعمارية التي تتعارض مع القانون الدولي وقرارات ‏الشرعية الدولية.‏ فقد تم الكشف مؤخرا عن قبور وهمية يزرعها الاحتلال في مساحات مختلفة من أراضي بلدة سلوان جنوب ‏المسجد الأقصى في مدينة القدس، وذلك بتوزيع حجارة ضخمة، ويضعها بشكل متلاصق ومتوازي لتظهر ‏وكأنها "مقابر‎".‎‏ وذلك لتسهيل الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية.‏ وذكرت مؤسسات حقوقية وناشطون مقدسيون أن أراضي بلدة سلوان تزرع فيها القبور منذ سبعينات القرن ‏الماضي، وتزداد وتتوسع رقعتها مع مرور الوقت، وتتوزع هذه الأيام في عدة مناطق أبرزها حي وادي ‏الربابة، وادي حلوة، هضبة سلوان، الحارة الوسطى، الصلودحا‎.‎‏ وأضافت هذه المصادر أن سلطات الاحتلال ‏شرعت خلال الأشهر الأخيرة بتحويل قطعة أرض كانت تستخدم كموقف للمركبات إلى مقبرة بوضع "القبور ‏الوهمية"، وقامت خلال هذه الفترة بزراعة القبور الوهمية وتوسيع مقبرة ما تسمى "مقبرة السامبوسكي اليهودية ‏في قطعة أرض تقع بين حي وادي حلوة ووادي الربابة، وبدأت أعمال تسوية الأرض ووضع الأتربة الحمراء ‏ووضع الحجارة الضخمة في المكان، إضافة الى تعليق يافطة باللغتين العربية والعبرية تحمل اسم المقبرة، ‏وتهدد بفرض غرامات مالية في حال القاء النفايات في الموقع.‏

 ويذكر أن زراعة القبور كانت قد بدأت في منطقة "الصلودحا" والحارة الوسطى في سلوان، ببناء قبور فيها ‏بشكل متفرق وموزع على مساحة الأرض، أما مع بداية الألفية شرعت بزراعة القبور في منطقة وادي ‏الربابة، ثم امتدت زراعة القبور في مناطق أخرى وصولا الى حي وادي حلوة "حيث يتم العمل الآن‎".‎ وأوضح نشطاء مقدسيون أن زراعة القبور الوهمية في الأراضي، هي وسيلة تتبعها المؤسسة الإسرائيلية ‏والجمعيات الاستيطانية لمصادرة ووضع اليد على الأراضي الفارغة والمسطحات في القدس، وتحديدا في بلدة ‏سلوان، وبالتالي منع السكان من الانتفاع بالأراضي واستثمارها والبناء فيها، وعرقلة تطوير الأحياء المقدسية‎.‎‏ ‏وذكروا أن زراعة الأراضي بالقبور الوهمية، هي وسيلة لمصادرة الأرض، وبالتالي لا يمكن الاعتراض على ‏ذلك قانونيا‎".‎‏ وتحاول سلطات الاحتلال من خلال زراعة القبور الوهمية ادعاء وجود حضارة لها في الموقع ‏وتجمع سكاني في قديم الزمن، وبالتالي ترويج للراوية وتغيير التاريخ، وخنق المعالم العربية في القدس، ‏خاصة محيط البلدة القديمة‎.‎‏ وفي الوقت الذي تمدد وتوسع رقعة القبور الوهمية تقوم بتضييق الخناق على ‏مقابر المسلمين، وتزيل شواهد هذه المقابر وتحويل بعضها لحدائق‎.‎ ولا بد من الإشارة إلى أنه بعد العام 1967 واحتلال القدس، استولت سلطات الاحتلال على عشرات ‏الدونمات الإضافية من الأراضي، وحولتها إلى مقابر ومدافن يهودية حديثة، وأخرى مستحدثة لم تكن من ‏قبل، ولم تكن تحوي شواهد أو بقايا عظام موتى، وذلك لخدمة الاستيطان والتهويد‎.‎‏ وعلى مدار سنوات ‏ماضية، نفذ الاحتلال عمليات تزييف كبيرة للتاريخ والآثار والجغرافيا والمسمّيات العربية الإسلامية بالقدس، ‏في سبيل شرعنة القبور اليهودية الوهمية واصطناع منطقة يهودية مقدسة‎.‎‏ ويُشرف على تخطيط وتنفيذ زرع ‏القبور الوهمية كل من بلدية الاحتلال، وما يسمى بـ" سلطة تطوير القدس"، ووزارة البناء والإسكان، وو"سلطة ‏الآثار"، و"جمعية إلعاد" الاستيطانية، و"سلطة الطبيعة والحدائق القومية"، و"جمعيات وشركات الدفن ‏اليهودية". كما أن الأراضي التي تزرع فيها القبور الوهمية تم مصادرتها بعد احتلال القدس واعتبرت ضمن ‏أملاك الغائبين.‏ وعلى مدار السنوات الماضية حُولت ملكيتها لجمعيات استيطانية ولسلطات حكومية ومحلية، ومنطقة القبور ‏الجديدة في سلوان عبارة عن موقف لمركبات السكان منعوا من استخدامها لتبدأ تلك المؤسسات زراعة القبور ‏فيها. ومع بناء الحجر الأول اعترض السكان مطالبين بإظهار ترخيص البناء، فتم وقف العمل لفترة مؤقتة ‏ثم استكملت جمعيات الاحتلال أعمالها وانتقلت للأرض الملاصقة وتم تسويتها وزراعة القبور فيها دون ‏الحصول على التصاريح بدعوى أنها كانت مقابر لليهود ويتم الآن إعادة تأهيلها. وتعتبر المقابر الوهمية ‏بعد ذلك مكانا مقدسا لا مجال للنقاش فيه ولا حاجة للتراخيص ولا دخول جدال الملكية، وفي المقابل ‏السلطات ذاتها التي تبني قبورا وهمية تهدم قبورا حقيقية لمسلمين بعد نبشها وبناء حدائق فوق رفاتهم.‏ إنها طريقة قديمة جديدة تستهدف الاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية، وخاصة في مدينة القدس ‏لتغيير طابعها وهويتها العربية والإسلامية، ولاستكمال عملية تهويدها وزرعها بالمستوطنات وبالمستوطنين، ‏بما يخالف القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، والقانون الدولي الإنساني، ويشكل جريمة حرب ‏تستوجب المسؤولية الجنائية الدولية، وفقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.‏ ‏*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.