تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

التجربة الفلسطينية في حفظ التراث الثقافي غير المادي

1

مُقدمة

تهتم المكتبة الوطنية الفلسطينية بحماية وصون الذاكرة والتاريخ الفلسطيني، من خلال رصد وتجميع الأرشيف الذي يوثق ممارسات الحياة اليومية، وصمود ومقاومة الشعب الفلسطيني، وتمثيل الآلام والتعذيب ومحاولات الطمس والتهويد التي تبحث عن معابرها في هويتنا وأجسادنا، ومع كل الاستهداف الثقافي الفلسطيني، أصبحت فكرة إنشاء المكتبة الوطنية الفلسطينية موضوعًا قيد البحث والاستعداد الدائم، تخوفًا على الأرشيف الفلسطيني من الاستهداف الكامل، وقد قُرر إنشاء المكتبة الفلسطينية حديثًا بمرسوم رئاسي رقم (٦) ٢٠١٩، مع إلحاح الحاجة لوجود حاضنة ثقافية تشمل كافة المنتجات الثقافية المادية وغير المادية، ومن خلالها يمكن الوصول للعالم، ووصول العالم إلينا، وأصبح أحد أهم خطوات تأسيس هذه المكتبة تحديد مواقع الأرشيف الفلسطيني المشتت كما الفلسطيني في دول العالم المختلفة، وبدأت كنقطة أساسية في الأرشيف الفلسطيني المحلي، بتقييم التجارب والبناء عليها، لتقدم إطارًا أكثر شمولية يجمع الأرشيف ويدّعمه ويمثلها.

أهداف الورقة

وفي هذا الإطار التعريفي بتأسيس ونشأة المكتبة فإن الورقة تتقصى دور المؤسسات الفلسطينية الرسمية والأهلية في توثيق وحفظ التراث الثقافي غير المادي "التطريز" نموذجًا، بمختلف الوسائل التكنولوجية والرقمية، وكذلك من خلال العلاقات مع المؤسسات الدولية الحافظة للتراث مثل اليونسكو، للمراكمة عليها.

أهمية الورقة

وتأتي أهمية هذه الورقة من ضرورة تسليط الضوء على أهمية التراث الثقافي الفلسطيني، والتحديات والمخاطر التي يواجهها على الصعيدين المادي والمعنوي مثل سرقة التراث ومحاولات محوه والاستحواذ عليه، وإبادتنا كفلسطينيين من خلال محاولات السيطرة على سردية وذاكرة هذا التراث، وحاول الاحتلال الإسرائيلي سرقة التطريز تحديدًا وتقديمه كتراث خاص بهم في عام ٢٠٢١، عندما شاركت ممثلة الكيان في مسابقة ملكة جمال الكون بفستان يرتسم في تفاصيله التطريز الفلسطيني، وكذلك اعتماد سياسة ارتداء التطريز الفلسطيني لمضيفات الطيران الإسرائيلي في شركةالطيران الاسرائيلية "العال"، كترويج لهذا التراث من خلالهم؛ لهذا فإن التحدي في مواكبة كافة وسائل الرقمنة تعتبر قضية محورية تتمثل في سردية وجودنا، هذا فضلا لما لهذا النوع من التراث من إغناء التنوع الثقافي في العالم، والذي يعطي الهوية والتميز بين منطقة جغرافية وأخر.

سؤال الورقة

ما هي الخلاصات الأساسية في التجربة الفلسطينية في توثيق التطريز؟ وكيف يمكن البناء عليها لتعزيز السردية الفلسطينية.

المنهجية والعينة

سترتكز الورقة على البحث في التجربة الفلسطينية الرسمية ومتمثلة بوزارة الثقافة وبعثة دولة فلسطين لدى اليونسكو، في جهودها بإدراج التطريز ضمن قائمة التراث غير المادي، وتحقيق الاعتراف الدولي به، وكذلك جهود المؤسسات الأهلية "المتحف الفلسطيني" نموذج، في كيفية رقمنة التطريز؛ وتحديدًا من خلال دراسة مجموعة الأثواب الصادرة عن لجنة الحفاظ على التراث الفلسطيني CPPH.

تم اختيار هذه العينة في محاولة للبناء عليها بتطوير الآليات والوسائل الرقمية، أو الإضافة عليها، لنتمكن من تعزيز الحماية والحفاظ على الهوية، وذلك بالتأكد من استخدام اللغة واللهجة، والحكاية والرمز، وتضمينها بداخل هذا الوصف، الذي يؤمن لهذا التراث أن يكون عابرًا لجميع العالم كما هو. كما والبحث في أحدث آليات الرقمنة التي تتيح إنشاء قاعدة بيانات بالأثواب والتطريز الفلسطيني، والتي يمكن تطوير تطبيقات محلية بناء عليها، حتى يصبح متاحًا تطوير هذا الشكل من التراث دون التأثير على جوهره.

تناقش الورقة ما يلي؛

١. التراث الثقافي غير المادي الفلسطيني (التطريز تحديدًا)؛ قيمته وهويته وآليات إنتاجه وحمايته، والأدوات والوسائل التي تستخدم في هذا الإنتاج، وتفاصيل هذه الممارسة، التحديات والمخاطر التي تواجه هذا التراث

٢. التجربة الفلسطينية في حفظ التراث الثقافي غير المادي – التطريز.

٣. التوصيات والنتائج التي سيتم البناء عليها لتطوير عمليات الرقمنة لتشمل العناصر الأساسية المفقودة في حفظها، وكيف يمكن البناء عليها من خلال المكتبة الوطنية الفلسطينية.

 

 

 

الملخص

تعتبر عملية الرقمنة الواعية والمراعية للتراث الثقافي غير المادي وسيلة توثيق وحفظ وحماية لتاريخ الشعوب، وتحديدًا لشعب يصارع استعمارًا استيطانيًا يقوم وجوده وروايته على منطق وجود الشعب الفلسطيني، ومن هنا تأتي أهمية الورقة التي تهدف إلى تفحّص التجربة الفلسطينية في توثيق هذا التراث، من أجل الوصول إلى استخلاصات تساهم في تعزيز الرواية الفلسطينية بمواكبة وسائل الرقمنة الحديثة والمناسبة لها، تم رصد آليات عمل كل من وزارة الثقافة في تجهيز ملف التطريز المدرج ضمن قائمة اليونسكو، وكذلك عمل المتحف الفلسطيني في الرقمنة، وتوصلت الورقة لمجموعة من النتائج؛ أهمها: أولًا: أنَّ ما يتم إدراجه ضمن لجنة صون التراث الثقافي غير المادي في اليونسكو هو إعلان حفظ وحق ملكية شعب فلسطين لهذا التراث. ثانيًا: إن هذا الإعلان على الموقع الرسمي لا يتضمن إنشاء ملف مُدَّعم بالشهادات والتوثيقات التي تمَّ جمعها من قبل المؤسسات الرسمية الفلسطينية كما يسردها الفلسطيني، وبالتالي يمكن من خلال الإعلان التعرّف على التطريز كمنتج دون تفاصيل طقوس إنتاجها من خلال الفيديوهات أو المقابلات المُفرّغة، بالرغم من أنّها تعتمد على هذه التفاصيل في عملية التوثيق والإدراج. ثالثًا: إن عملية الرقمنة ضمن برامج الأرشفة والتوثيق والرقمنة مثل المتحف الفلسطيني، تقوم بالوصف المعتمد على المعايير الدولية في الأرشيف "معايير وصف دوبلن"، وتقوم في بعض الحالات بتتبع قصة التطريز من خلال الثوب أو منتج التطريز نفسه – في حال توفر سردية هذا المنتج -. رابعًا: أنَّ ما تم توثيقه ورقمنته فلسطينيًا بحاجة لدعمه ببعض العناصر الأساسية الخاصة بالطقوس والممارسات التي ترتبط بهذا التراث "التطريز" مثل الرموز المستخدمة في عملية التطريز، وكيف ترتبط بالمكان والزمان، وكيف تعكس البُنى الاجتماعية والسياسية والثقافية والجغرافية من خلال الألوان المستخدمة، وكيف يتغير وفقًا للتغيرات البنيوية المذكورة سابقًا، والأغاني الشعبية الّتي يتم ترديدها أثناء التطريز ومناسباته.

سيتم البناء على هذه الاستخلاصات بالاستفادة من هذه التجربة، وتشبيك العلاقات مع المؤسسات التي توثق هذا التراث باختلاف المعايير والوصوفات المتبعة في عملها، تطوير برنامج الأرشفة وآليات الرقمنة في برنامج المكتبة الوطنية الفلسطينية، ليشمل رفع فيديوهات توثق ممارسة الطقس، وإضافة العناصر التي تراعي خصوصية الثقافة الفلسطينية، مثل الرموز المستخدمة وعلاقتها بالمنطقة الجغرافية التي تبرر اختيار الألوان، وكذلك علاقة الجغرافيا بالمعتقدات والأحداث السياسية التي مرَّت بها، بالمختصر؛ بناء المعايير الوصفية الخاصة بالتطريز ورقمنتها بمراعاة وتضمين العناصر الثقافية والتراثية التي حُضرَّت في ملف التوثيق والإدراج ضمن اليونسكو، والتي تذهب في عمق الممارسة من خلال المقابلات والتوثيق الحي، وبهذا تكون الرقمنة عملية ممتلئة بالحياة والتفاصيل.

 

 

Abstract 

The process of conscious and considerate digitization of intangible cultural heritage which serves as avital mean for documenting, preserving and protecting the cultural heritage of people, especially for those facing settler colonialism, as the case with the Palestinian people. This paper aims to examine the Palestinian experience in documenting this cultural heritage (embroidery) through the use of modern digitization methods suitable for it.

 

Efforts by the Ministry of Culture in documenting embroidery, which is part of the intangible cultural heritage listed by UNESCO, as well as the role of the Palestinian Museum in digitization, were evaluated. This evaluation yielded several key findings:

 

  1. The inclusion of embroidery in UNESCO's list confirms the Palestinian people's right to this heritage.
  2. This announcement on the official website does not include creating a file supported by testimonies and documents collected by official Palestinian institutions as listed and narrated by the Palestinian. Thus, through this announcement, it is possible to identify embroidery as a product without details of the rituals of its production through videos or interviews, even though it depends on these details in the documentation and listing process.
  3. In terms of digitization processes, Dublin Core standards are used, and these processes enable tracking the history of embroidery in some cases.
  4. The Palestinian documentation and digitization needs to be supported through basic elements of the rituals and practices that are related to this heritage “embroidery”, such as the symbols used in the embroidery process, how they are related to place and time, how they reflect social, political, cultural and geographical structures through the colors used, and how they change according to structural changes as mentioned previously, and the popular songs that are chanted during embroidery and its occasions.

Based on these findings, it is proposed to develop an archiving program and digitization mechanisms at the National Library of Palestine to include documenting Palestinian culture and rituals in a way that respects its uniqueness and connects it to geography, history, and cultural beliefs.

 

فن التطريز: بين التحديات وسُبل الحماية

يُعد التطريز الفلسطيني فن تقليدي متميز بأسلوبه ورموزه المُحاكة عليه، والّتي تُعبر عن الهوية والتراث والثقافة الفلسطينية، وهذه الممارسة هيَّ تمثيل وانعكاس للتاريخ والهوية الوطنية والجغرافية، ونرى التطريز يُزين الملابس التقليدية، والمنسوجات البيتية المختلفة، وكذلك العديد من المقتنيات والقطع الفنية المستخدمة في حياتنا اليومية، حيث تأخذ أشكالًا هندسية ورموزًا بارزة، وملونة بألوان تقليدية مرتبطة بتاريخ منطقة جغرافية ما، وكذلك بعض المناطق تضيف القصب والخرز وبعض الزينة المرتبطة برمزية الثوب أيضًا ومناسبته .

يُعرف فن التطريز الفلسطيني على أنَّه فن تراثي شعبي فلسطيني متألق، يحتل أُفقًا واسعًا في ثقافة اللباس النسائي الفلسطيني، حيث يؤلف الخيط والإبرة حكايات على ملابس النساء، وتصبح الرموز المرسومة لغة تواصل وإشارات للعديد من الممارسات، ويمكن الاستدلال من خلال الأثواب على حالة المرأة إن كانت متزوجة أو عروس أو حتى أرملة والحِداد، فهيَّ أصبحت لسان تعريف يُفهم ضمنيًا بين الفلسطينيين.

أثرت النكبة الفلسطينية على ممارسة التطريز بسبب الانقطاع عن الأرض وما تلاه من صعوبات مادية، فتراجع إنتاج التطريز، وحتى أنّ النساء الفلسطينيات باتت تبيع أثوابهن لتعيل أسرهن، كما والشتات الفلسطيني انعكس على نوعية الأقمشة واللون المستخدم والرمز في مخيمات اللاجئين؛ تأثرًا بالمناطق الّتي احتكوا بها في العالم، فأصبح التحول في التطريز من محاكاة القرية وسرديتها، إلى رموز تعبر عن الهوية الوطنية الفلسطينية، وصولًا إلى "ثوب الإنتفاضة"، الّذي طُرِّزَ عليه علم فلسطين وخارطته ومفتاح العودة.

ينتمي التطريز إلى عناصر التراث الثقافي غير المادي والّذي تعرِّفه اليونسكو؛ الممارسات والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات – وما يرتبط بها آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية – الّتي تعتبرها الجماعات جزءًا من تراثهم الثقافي، وتحدد اليونسكو أن الفنون الحرفية التقليدية قد تكون المظهر المادي الممثل للتراث الثقافي غير المادي، ف الحرفة التقليدية هي شكل من أشكال التقاليد والممارسات والمعارف الّتي يمتلكها الإنسان نتيجة لتراكم تاريخي ثقافي، يشكل لديهم مهارات باتجاه حِرف أو ممارسات تقليدية، تؤدى عبر طقوس واحتفالات تجسد علاقتهم بالجغرافيا والتاريخ والثقافة، لتشكّل بالمحصلة منتج التطريز الّذي يتم ارتداءه أو استخدامه.

يُعاني فن التطريز الفلسطيني مثل الكثير من الحرف والمهن التقليدية من مجموعة من التحديات العامة الّتي تواجه الحِرف والممارسات القليدية، وتحديات أخرى مُكثفة كونها تخضع كَمُنتجيها للاستعمار، وفيما يلي أهم التحديات الناتجة عن التحديات العامة؛

التحديات الثقافية والاقتصادية: التراجع الكبير في إقبال الأجيال الجديدة على استخدام هذا التراث (التطريز كـ زيّ)، وتحديدًا في ظل سياسة اقتصاد السوق المفتوح، والّذي يتيح للأفراد شراء الأزياء بأسعار معقولة ومناسبة للظرف الاقتصادي الّذي تحياه فلسطين في العقود الأخيرة، وعلى النقيض يزداد سعر الزي المطرز باستمرار، نظرًا لارتفاع تكلفة انتاجه، والوقت والجهد المبذول في إعداده، مما يجعل السوق الخاص به ضعيف وغير مستهدف إلّا في مناسبات محددة.

التحديات الخاصة بالملكية: يأتي هذا التحدي نتيجة لضعف عملية التوثيق وحفظ التطريز بشكل يؤمن مرجعيته وملكيته للفلسطيني، الأمر الّذي يجعل الخوف والتردد لدى الفنانين والقائمين على هذه المهنة يتخوفون من عملية السرقة والانتحال، فتصبح عملية حماية المنتج أهم بكثير من عملية إنتاجه.

بالإضافة إلى هذه التحديات، فإن التحديات الناتجة عن الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، يزيد الأمر سوءًا؛ حيث المحاولات المستمرة لها في تمثيل هذا الزي الفلسطيني في أكثر من محفل من جهة، ومن جهة أخرى التهجير والاستيلاء والتدمير الّذي طال أنماط حياة الفلسطينيين مما أدى لفقدانهم هذه الحرف والمعارف المتوارثة عنها.

هذا فضلًا عن السيطرة سياسيًا وعسكريًا على القرار الاقتصادي وحركة التبادل التجاري والثقافي للفلسطينيين، كما والسيطرة على السوق الفلسطينية المحلية، وعلى الأيدي العاملة فيه، وهذا لا ينعكس فقط على المستوى الاقتصادي وتأثيراته على الإنتاج المحلي، وإنَّما على انفصال الفلسطيني عن أرضه ومعارفه وطقوسه، وكذلك حرَّفهِ التقليدية والّتي يصبح مع الأيام يستوردها بدلًا من عملية إنتاجها.

إنَّ مسؤولية حماية فن التطريز الفلسطيني هيَّ مهمة وطنية رسمية وشعبية، شأنها شأن الحفاظ على وجود الفلسطيني على الأرض، لأنَّ عملية التجريد الممنهجة والمتبعة هيَّ انعكاس لمقولة وولف "اقتل الهندي وأنقذ الإنسان"، أي مقولة الاستعمار الاستيطاني في إبادة أرواح وثقافة الشعوب الأصلانية، ولذلك كل مكونات الهوية والتراث الفلسطينية مهددة بالقتل لقطع علاقتها بالفلسطيني، ونزعه عن سياقه، ولهذا لا بد من وجود استراتيجيات حماية فعالة لضمان حماية التطريز وتوثيقه والحفاظ على خصوصيته.

 انشغل الفلسطينيون من بعد عام ١٩٦٧م بتوثيق هذا التراث، ومحاولة حمايته من التهويد والأسرلة، فَكُثِفت الجهود في تجميع المعلومات حول هذا الفن، وكانت جمعية إنعاش الأسرة، من أوائل الجمعيات الخيرية التي انكبت على هذا العمل، بالتعاون مع فنانين تشكيليين؛ مثل نبيل عناني وسليمان منصور، فقاموا بتأليف كتاب "دليل فن التطريز الفلسطيني" (عناني، ١٩٨٩) يحتوي مقدمة عامة لفهم طبيعة التطريز وتاريخه وتطوره ووظائفه، ويحتوي الكتاب على 642 عرقاً نقلت عن زخارف التطريز الفلسطيني الموجودة على عشرات القطع من الملابس الشعبية الفلسطينية، حيث تم تبسيط هذه العروق عن طريق رسمها على ورق المربعات بدقة متناهية وبالألوان الموجودة في الأصل، وأعطيت أرقام ألوان الخيوط المستعملة في كل عرق حسب دليل شركة DMC الفرنسية تسهيلاً لتناقل هذه العروق واستعمالها على المستوى الشعبي، وتم ترقيم هذه العروق وإرفاق بعض المعلومات الأساسية عن كل عرق، مثل الاسم المدرج للعرق، وموقعه في القطعة المطرزة والمنطقة الجغرافية التي أخذ منها وذلك لتسهيل عمل المهتمين والباحثين.

كما وأعمال العديد من المؤرخين الفلسطينيين أمثال شريف كناعنة، الّذي أرَّخَ لتاريخ التطريز ودوره في ترسيخ الثقافة، وتوسع عمله في تبيان التقنيات المستخدمة والرموز الخاصة بها، وغيره الكثيرين الّذين عملوا على توثيق ممارسات وطقوس التطريز في مناطق محددة من فلسطين في كتب ومقالات علمية محكمة.

ومع التطور الرقمي والتكنولوجي وآليات تدويل التراث والأرشيف، استفادت بعض المؤسسات الفلسطينية من هذا التطور، وعَملت بجدية في رقمنة التراث الثقافي المادي وغير المادي الفلسطيني، معتمدين على المعايير الدولية، لعلها توفر لهم قدرًا من الحماية، بالإضافة للانضمام للمؤسسات والجهات الدولية المهتمة بحماية التراث الثقافي، مثل اليونسكو. 

 

حفظ التطريز وحمايته في اليونسكو (إدراج ملف فن التطريز)

تعزز منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" في اتفاقيتها بشأن صون التراث الثقافي غير المادي؛ الوعي المحلي والعالمي اتجاه ممارسات مجتمعات معينة وطقوسهم الّتي تشكل تراث ثقافي غير مادي، وتُخوّل هذه المنظمة بالتوثيق من أجل الحماية، الحماية الفكرية، والحماية من النهب والهدم، وتشكيل العلاقات مع الجهات المُتخذة للقرارات المتعلقة بتنظيم العلاقات وحتى النزاعات الّتي من الممكن أن تسبب ضررًا لهذا التراث.

وإعداد برامج تعاون وورش عمل تعمل على تطوير برامج مع الحكومات والجهات المحلية لتعزيز وحماية التطريز الفلسطيني، ودعم المشاريع الّتي تؤهل استمرارية الحِرّف اليدوية؛ وهنا التطريز، بتمويلها من خلالها أو من خلال شركائها.

وحققت فلسطين في عام ٢٠٢١ بجهود رسمية من قِبل وزارة الثقافة وجهات رسمية أخرى وكذلك جهات أهلية عاملة في قطاع فن التطريز وتحديدً (المتحف الفلسطيني)، وممثلي البعثة الفلسطينية في اليونسكو، من تجهيز ملف خاص بالتطريز الفلسطيني، يعتمد على إطلاق "حملة التراث" والّتي تقوم على حصر الأشخاص والجهات الّذين يمارسون هذه الحِرّفة، وإجراء مقابلات معمقة وموثقة بالتصوير والفيديوهات لممارسة التطريز، وتم التعامل مع هذه المقابلات بطريقة حيَّة أثناء التفريغ، حيث راعت تنوع اللهجات وطريقة سرد حكاية الثوب، وألمَّت وزارة الثقافة بكافة المعلومات الَّتي تغطي هذه الممارسة، ثم قامت برفعها بلغة رسمية ومترجمة للغة الإنجليزية، بطريقة تتناسب مع حِرَفية الخطاب المؤسساتي الدولي، والّذي يُركز على الحِرّفة كمهنة ثقافية بالأساس. لإدراجه على قائمة التراث الثقافي غير المادي.

وتقول كل من أماني الجنيدي وزاهرة حمد العاملتان في قسم التراث في وزارة الثقافة، أنّه تم وصف العناصر المدرجة بطريقة إبداعية ثقافية لطرح حقيقة الحِرّفة، وكان الهدف الأساسي الّذي يحكم الوصف هو تمثيل علاقة الفلسطيني بالأرض، الّتي تنعكس على المطرزات بشكل واضح، الأمر الّذي يعطيها خصوصيتها ويميزها.

وما حققه الإدراج على قائمة التراث الثقافي غير المادي في اليونسكو؛ الحماية والتوثيق والتدويل لفن التطريز، وإعادة إحياءه، وتعريف العالم على هذا التراث، والإجماع على إقرار يوم ١٥/١٢ اليوم الوطني للتطريز، وانعكاس ذلك على إعادة انتشار التطريز وتشجيعه، وانعكاسات ذلك على التنمية المستدامة، وتشجيع السياحة، وتشجيع الأجيال الجديدة على استعادة علاقتها مع هذا التراث، والتمسك به وإن لم يكن من خلال الملابس، وإنَّما بأشكاله المختلفة، فهذا الإدراج أعطى صك ملكية وحق توثيق دولي بالأساس لتعزيز وجود فن التطريز وإغناء العالم به، وتسهيل التبادل الثقافي بالأساس، وبالمحصلة الاعتراف الفعلي بوجود الفلسطيني.

كما والأثر الواضح المتمثل بتبرع مالكي ومقتني الأثواب الفلسطينية المطرزة للمتحف الفلسطيني، خاصة فلسطينيين الشتات، الّذي يعد جزء كبير منها أنتج في معامل التطريز في بلاد اللجوء مكان تواجدهم، لتوثيقها ورقمنتها، إدراكًا لأهميتها.

إلّا أن هنالك العديد من التفاصيل الّتي تحيط بهذه الحِرّفة والتحولات الّتي طرأت عليها، واللغة المحكية، والتراث الغنائي الشعبي المرتبط بها، غير متضمنة بهذا الإدراج، وهذا مفهوم وفقًا لمعايير وقواعد الإدراج والتوثيق، وبهذا تبقى هذه الحلقات المفقودة مهمة عملية الرقمنة، الّتي تقوم بها المتاحف والمؤسسات الأرشيفية المحلية الفلسطينية المهتمة بفن التطريز.

وللمتحف الفلسطيني دور كبير في العمل على تجهيز ملف فن التطريز المدرج ضمن القائمة، وهذا الدور مبني على وجود "مجموعة أرشيفية متخصصة"، يعمل عليه المتحف الفلسطيني بالشراكة مع العديد من المؤسسات والباحثين المحليين والدوليين المهتمين بفن التطريز.

تعتمد معايير الرقمنة والوصوفات في المتحف الفلسطيني، على تمييز عناصر التطريز (الغرزة) بناء على مكان انتاجها وشيوع استخدامها، وكذلك في بعض الحالات المميزة يتم وصف الغرزة والقطعة المطرزة من خلال سرد قصة الثوب ورمزيته بالتفصيل. حيث أنه يمكن إرفاق وتوثيق قصة القطعة وعرضها على الموقع الإلكتروني مع العلم أنه كل القطع يتم وصفها على قواعد البيانات الداخلية بجميع المعلومات الأساسية والتفصيلية إن وجدت.

فتقوم قواعد البيانات الرقمية بوصف دقيق للثوب والتعريف عنه بحسب جغرافيته، والتقينات المستخدمة فيه، وتفسير الأشكال الهندسية المُطرزة عليه، بالإضافة إلى سبب استخدام هذا الثوب، وسياقه وسرديته إن توفرت، وقياسات الثوب وحالته المادية، وتفحص حاجته للترميم وكيفية الحفظ، وجميع المعلومات الوصوفات الأرشيفية (اسم المجموعة – اسم الثوب – مصدر الحصول على الثوب، الفترة الزمنية التي يعود لها – تاريخ توثيق الثوب – نوع القطبة/ الغرزة – نوع القماش – نوع الخيطان) حيث أنَّ هذه المعلومات تغطي بشكل كامل الوصوفات المادية للمطرزات، وتعطي فكرة للباحثين والمهتمين في مجال التطريز التعرف على سردية الثوب.

ويقول بهاء الجعبة أمين المجموعات الأرشيف ومسؤول الترميم في المتحف، والّذي يعمل أيضًا في أرشيف جمعية دار الطفل العربي في القدس، بأنَّ موضوع أرشفة التطريز ليست مسألة حديثة، وأن دار الطفل قامت في سنوات الثلاثينات بتوثيق التطريز الفلسطيني، من خلال مجموعة من الباحثين العرب والأجانب، وتم هذا التوثيق باللغة الإنجليزية، وذلك كون الباحثين الأساسيين هم من الأجانب، وهذا له تبعياته بالتأكيد على كيفية فهمهم لهذا الفن، والإشكاليات التي واجهت الفلسطينيين مؤخرًا، في ترجمة هذا المحتوى، ومحاولة تأطيره داخل سياقاته السياسية والثقافية الفلسطينية، وحاليًا تعمل دار الطفل على هذه الترجمة والتوثيق.

 

 

كيف يمكن البناء على هذه التجربة والاستفادة منها، في تطوير آلية عمل أرشيف وتوثيق المكتبة الوطنية الفلسطينية؟ 

مع استعراض تجربتين فلسطينيتين متميزتين في سياق التوثيق والرقمنة؛ والّتي عززت حفظ تراث فن التطريز، واستطاعت تقديمه للعالم كونَّه تراث إنساني، فإنَّ المكتبة الوطنية الفلسطينية تسعى من خلال آليات أرشيفها إعطاء صوت لهذا التوثيق، وذلك من خلال تحقيق علاقة بين ما تم إنتاجه من مقابلات خلال تجهيز ملف التطريز من قبل وزارة الثقافة، وتوسيع دائرة العمل عليها، لتتحول هذه المقابلات إلى مواد رقمية بصرية سمعية، يمكن التعرف عليها والتعلم منها أيضًا.

ويمكن لهذه الأشكال الرقمية أنّ تكون على شكل مجموعة من الفيديوهات وبودكاست تعريفي لكل ثوب، أو مجموعة الأثواب الّتي تشترك في وحدة المنشأ على أقل تقدير، وأن تراعي هذه المقابلات الوصول إلى المصادر المُنتجة لفن التطريز كحرّفة تقليدية وإعطائهم المساحة الحرة للتعبير عن علاقتهم مع هذا الثوب، وعلاقة الثوب مع الأرض والمعتقدات، وتفصيل الممارسة والطقوس المرتبطة بها، المناسبات الاجتماعية، والأغاني التراثية، والأوضاع الاقتصادية المرتبطة به.

على الرغم من القيمة الغنية من تنوع مصادر توثيق التراث الفلسطيني ورقمنته، إلّا أنَّه بات من الضروري وجود منصة توثيقية أرشيفية متكاملة، تراعي المعايير الدولية في التوثيق من جهة وتؤمن خصوصية ثقافية فلسطينية لهذا الإرث، وممن خلالها يصبح الباحث كأنَّه يتجول في أزمان هذا التراث ويعايش قصته، فتصبح جزءًا منه، وحتى يفتح باب المساهمة أمام تطوير تقنيات رقمية حديثة حتى يكون جزء من تطوير التطريز ونقله للعالم عبر التقنيات المختلفة.

 

 

 

المراجع والمصادر 

  • مقابلة مع زاهرة حمد، تعمل في وزارة الثقافة قسم التراث، فاعلة أساسية في تجهيز ملف إدراج فن التطريز على قائمة اليونسكو، تاريخ المقابلة (٧/٣/٢٠٢٣).

  • مقابلة مع أماني الجنيدي، تعمل في وزارة الثقافة قسم التراث، فاعلة أساسية في تجهيز ملف إدراج فن التطريز على قائمة اليونسكو، تاريخ المقابلة (٧/٣/٢٠٢٣).

  • مقابلة مع بهاء الجعبة، أمين المجموعات الأرشيفية والترميم في المتحف الفلسطيني، ومدير أرشيف دار الطفل العربي.

  • كناعنة، شريف. (2000). التطريز الفلسطيني: أنماط ورموز. رام الله: دار الكتاب.

  • كناعنة، شريف. (2005). تاريخ التطريز الفلسطيني. القدس: مركز الزيتونة للدراسات.

 

 Hanini, M. (2005). Traditional Palestinian Embroidery and Jewelry. Ramallah: Shorouk.

Natsheh, Y. (2008). Embroidery from Palestine. Jerusalem: Riwaq.

Suleiman, H. (2012). Threads of Identity: Preserving Palestinian Embroidery and Heritage. Bethlehem: Dar Al-Kalima University Press.

Salameh, R. (2015). The Art of Palestinian Embroidery: A Journey through Time. Nablus: Turathuna Center for Palestinian Heritage.

 

Kawar, W. (1999). Threads of Identity: Embroidery and Adornment of the Nomadic Rabaris. London: Laurence King Publishing

Kanaaneh, Sharif. (2000). "Palestinian Embroidery: Patterns and Symbols". Ramallah: Dar Al-Kutub

Salameh, R. (2015). "The Art of Palestinian Embroidery: A Journey through Time". Nablus: Turathuna Center for Palestinian Heritage.

Natsheh, Y. (2008). "Embroidery from Palestine". Jerusalem: Riwaq

Suleiman, H. (2012). "Threads of Identity: Preserving Palestinian Embroidery and Heritage". Bethlehem: Dar Al-Kalima University Press

Khalidi, R. (2006). "Palestinian Identity: The Construction of Modern National Consciousness". New York: Columbia University Press

Gordon, N. (2008). "Fabric of Life: Textile Arts in Palestine". Jerusalem: Al-Hoash Gallery.

Abed, M. (2014). "Craftsmanship and Craftsmen in the West Bank: Challenges and Opportunities". Ramallah: Ma'an Development Center.

UNESCO. (2018). "Intangible Cultural Heritage and Sustainable Development". Paris: UNESCO Publishing.

UNESCO. (2020). "Safeguarding Intangible Cultural Heritage in the Arab States". Beirut: UNESCO Regional Office.

UNESCO. (2017). "Capacity-Building Workshops on Safeguarding Intangible Cultural Heritage". Paris: UNESCO Publishing.

UNESCO. (2019). "Funding Opportunities for Intangible Cultural Heritage: UNESCO. (2016). "Awareness Raising Campaigns on Intangible Cultural Heritage". Paris: UNESCO Publishing.